مستجدات القضاء الدستوري في نطاق دستور 2011
بقلم: د.رشيد المدور
… وضعت فكرة مراقبة دستورية القوانين موضع التنفيذ غداة الاستقلال، مع أول دستور عرفه المغرب الحديث سنة 1962، وذلك بإحداثه لغرفة دستورية في حظيرة المجلس الأعلى (محكمة النقض حاليًّا). وقد أسند، هذا الدستور، إلى الغرفة المذكورة اختصاصات محدودة جدًّا في مجال الرقابة على دستورية القوانين، اقتصـرت على الرقابة الوجوبية القبلية لكل من القوانين التنظيمية( ) والقوانين الداخلية للبرلمان( ). وهو ما تمَّ تكريسه، بعد ذلك، نطاقًا وحدودًا، في دستوري 1970 و1972.
ومما يتعين ذكره كذلك، أنَّ القضاء الدستوري المغربي، بعد مرور ثلاثين سنة من ممارسته في نطاق الغرفة الدستورية لدى المجلس الأعلى (1962-1992)، سيعرف تطورًا ملحوظًا مع دستور 1992، وذلك، بإسناده إلى هيئة مستقلة عن التنظيم القضائي العادي هي: المجلس الدستوري( ). وقد أضاف هذا الدستور للمجلس الدستوري، في مجال اختصاص الرقابة الدستورية، إمكانية المراقبة الاختيارية للقوانين العادية بإحالة من سلطات سياسية معينة وَفق شروط محددة، وهو ما تمَّ تكريسه بعد ذلك في دستور 1996.
ثم إنَّه، وبعد مرور حوالي عقدين من الزمن (1992- 2011)، سيكتمل قوام هذا القضاء الدستوري وينضج مع دستور 2011، الذي ارتقى بالمجلس الدستوري إلى محكمة دستورية. وبعد أن خفَّف المشرع الدستوري من القيود على الرقابة الدستورية الاختيارية، وسع من هذا الاختصاص ليشمل، إضافة إلى ما سبق، مراقبة دستورية الاتفاقيات والمعاهدات الدولية. وعلاوة على ذلك، جعل هذه الرقابة تجمع بين الرقابة السياسية السابقة على صدور الأمر بتنفيذ القوانين، وبين الرقابة القضائية التي تتم بواسطة الدفع بعدم الدستورية الذي يمكن أن يُثار أمام المحاكم، أثناء النظر في قضية رائجة، بشأن القانون الذي سيطبق في النزاع، إذا كان القانون يمس بالحقوق وبالحريات التي يضمنها الدستور. وفيما يتعلق بالرقابة الدستورية الوجوبية، زاد هذا الاختصاص توسعًا ليشمل، إضافة إلى القوانين التنظيمية والنظامين الداخليين لمجلسي البرلمان، بموجب القانون التنظيمي المتعلق بالمحكمة الدستورية، الرقابة على دستورية سائر الأنظمة الداخلية للمجالس المنظمة بموجب قوانين تنظيمية.
إنَّ هذه المستجدات وغيرها، ممَّا أتى به دستور 29 يوليو 2011( )، وفصَّل في مقتضياتها القانون التنظيمي رقم (066.13) المتعلق بالمحكمة الدستورية( )، في اتجاه تطوير القضاء الدستوري المغربي، هو ما ستحاول هذه المشاركة توضيحه وبيان مظاهره.
لتحميل هذه الدراسة التي نشرت في كتاب بالاشتراك تحت عنوان: تجربة الإصلاح الدستوري في المغرب، تقديم وتنسيق الدكتور سعد الدين العثماني، وبمشاركة مجموعة من الباحثين، الناشر منتدى العلاقات الدولية العربية، الدوحة 2015.